أنت في وضع التصفح السريع. اضغط لإظهار الصور والتمتع بتجربة كاملة.

المشروب الذي رافق الأتراك منذ ألف عام.. ما سره؟

بين حرارة الصيف ولهيب الأطعمة التركية الشهية، يبرز مشروب واحد كحليف لا غنى عنه عند الأتراك: “لبن عيران”.
ليس مجرد مشروب شعبي، بل إرث ثقافي وتاريخي يروي قصة شعب، ويجمع بين البساطة والفائدة في كل رشفة. في تركيا، لا تكتمل الوجبة دون كأسٍ منه، سواء في مطعم شعبي تقليدي أو ضمن قائمة مطاعم الوجبات السريعة العالمية.

مشروب صيفي بامتياز

مع ارتفاع درجات الحرارة، وخصوصًا في المناطق الداخلية من الأناضول، يصبح لبن عيران الخيار الأمثل لمواجهة الحرّ. يتكوّن هذا المشروب التقليدي من الزبادي، والماء، ورشة من الملح، ويُقدَّم باردًا ليمنح الجسم انتعاشًا فوريًا.

يقول البروفيسور بارباروس أوزَر من قسم تكنولوجيا الألبان في كلية الزراعة بجامعة أنقرة، إن عيران “يساعد على استعادة توازن المعادن التي يفقدها الجسم مع العرق، وذلك بفضل محتواه المعدني ووجود الملح المضاف”.

أكثر من مجرد انتعاش

لا تقتصر فوائد لبن عيران على ترطيب الجسم فحسب، بل تمتد إلى دعم صحة الجهاز الهضمي، بفضل مكوناته الطبيعية التي تساهم في توازن البكتيريا النافعة في الأمعاء. وبذلك، فهو مشروب يُرضي الذوق ويخدم الصحة معًا.

من قلب السهوب.. إلى موائد الحاضر

تعود أصول لبن عيران إلى الشعوب التركية البدوية التي عاشت في السهوب الشاسعة بآسيا الوسطى. وكان تخمير منتجات الألبان، كوسيلة لحفظها خلال التنقل، أمرًا أساسيًا للبقاء في مناخ قاسٍ. ومع انتقال الأتراك من آسيا الوسطى إلى الأناضول، رافقهم هذا المشروب البسيط في رحلتهم.

تؤكد ميرين سَيفَر، الباحثة في فنون الطهي، أن وثائق الرحالة تشير إلى أن سكان الأناضول كانوا يصنعون العيران ضمن وجباتهم اليومية، التي تضمنت “خبزًا مقطعًا يضاف إلى الزبادي أو يُقدَّم مع لبن عيران”.

بين الماضي والحاضر.. عيران لا يغيب

رغم مرور قرون، لا يزال لبن عيران يحظى بمكانة راسخة في الحياة اليومية بتركيا. من الأسواق الشعبية إلى محلات السوبرماركت الكبرى، وحتى مطاعم الوجبات السريعة مثل “ماكدونالدز” و”برجر كينغ”، جميعها تدرجه ضمن قائمة مشروباتها داخل البلاد.

للباحثين عن تجربة تقليدية أصيلة، فإن محلات الكباب المعروفة باسم “أوجاق باشي” (Ocakbaşı) تقدّم لبن عيران في أكواب نحاسية، بينما يُعد الطعام أمام الزبائن على أسياخ معدنية فوق الفحم.

وصفات محلية متنوعة

رغم أن تحضير لبن عيران لا يتطلب أكثر من ثلاث مكونات، إلا أن الوصفات تختلف حسب المناطق:

عيران سوسورلوك (Susurluk Ayranı): يُحضّر في مدينة سوسورلوك شمال غرب تركيا من لبن غني بالدهون ويتميز برغوته الكثيفة.

عيران يايِك (Yayık Ayranı): يُنتَج من الحليب الرائب أثناء صناعة الزبدة، وهو أكثر رغوة وأقل حموضة.

عيران ملاطيا الحار: تشتهر به مدينة ملاطيا شرقي تركيا، حيث يُضاف الفلفل الأخضر أو الأحمر ليمنحه نكهة لاذعة.

ويمكن لكل فرد أن يُبدع في طريقة تحضيره: إضافة النعناع لمزيد من الانتعاش، أو حذف الملح لتقليل الملوحة، حسب الذوق.

عائق عالمي.. نكهة لا تلائم الجميع

رغم شعبيته الجارفة في تركيا والمناطق المجاورة، لم ينتشر لبن عيران عالميًا بالشكل المتوقع. ترى أوزغه سامَنْجي، أستاذة مشاركة ورئيسة قسم فنون الطهي في جامعة أوزيجين (Özyeğin Üniversitesi)، أن السبب يعود إلى “غرابة الطعم بالنسبة للأجانب”، و”محدودية المطاعم التركية عالميًا”.

توضح سامنجي: “النكهة الحامضة للبن عيران لا تتماشى مع الذوق العام في كثير من الدول، كما أن المطبخ التركي لا يزال غير معروف جيدًا في الخارج”.

مشروب تركي بنكهة التاريخ

عيران ليس مشروبًا عابرًا، بل رمز للهوية الثقافية التركية، وامتداد حيّ لتقاليد الأجداد. وبينما يواصل حضوره في الحاضر، يبقى شاهدًا على مسيرة شعب جمع بين الحكمة والبساطة في كوبٍ واحد يروي العطش ويُرضي الذوق.

شاركها
غردها
أرسلها
أنشرها

قد يعجبك هذا

مختــــــــــــــارات