كروغمان يكشف المستور: ترامب يقود أمريكا نحو ركود تضخمي مدمر

تتصدر السياسات الاقتصادية التي يتبعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جدول أعمال الساحة السياسية في الولايات المتحدة. فبعد إشعال فتيل الحروب التجارية العالمية من خلال فرض رسوم جمركية إضافية، يواصل ترامب هجومه على رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، الذي سبق أن استهدفه خلال فترة رئاسته الأولى.

ويريد ترامب من الاحتياطي الفيدرالي خفض أسعار الفائدة، بل ذهب إلى حد التلويح بعزل باول من منصبه، رغم عدم امتلاكه الصلاحية القانونية للقيام بذلك.

وفي هذا السياق، نشر الاقتصادي الأمريكي الحائز على جائزة نوبل في عام 2008، بول كروغمان، مقالاً تناول فيه الأوضاع الاقتصادية الراهنة في الولايات المتحدة، مؤكداً أن السياسات النقدية يجب ألا تكون خاضعة لسيطرة السياسيين.

ولم يغفل كروغمان في مقاله الإشارة إلى التجربة التركية، حيث أدرج تركيا كنموذج عند تناوله هذا الموضوع.

وفي ظل هذه التطورات، أثارت تصريحات ترامب التي طالب فيها بخفض أسعار الفائدة وانتقاده اللاذع لرئيس الاحتياطي الفيدرالي جدلاً واسعاً في الأوساط الاقتصادية الأمريكية.

ووصل الجدل إلى حد أن أحد الصحفيين الأمريكيين نشر تغريدة عبر وسائل التواصل الاجتماعي قال فيها: “يجب علينا خفض أسعار الفائدة لخفض التضخم”، وهو ما فتح الباب أمام الإشارة إلى التجربة التركية، التي حاولت بالفعل خفض التضخم عن طريق خفض أسعار الفائدة، الأمر الذي أشعل موجة من النقاشات داخل الأوساط الاقتصادية في الولايات المتحدة.

مثال لافت من تاريخ الاقتصاد الأمريكي

في مقاله له أوضح بول كروغمان أن «من الخطأ منح شخص مسيء سلطة يسهل عليه إساءة استخدامها»، في إشارة واضحة إلى السياسات التي يسعى ترامب لفرضها على الاحتياطي الفيدرالي.

كروغمان، الذي شغل على مدار 24 عاماً منصب كاتب عمود في صحيفة نيويورك تايمز المرموقة، قبل أن يغادر موقعه مطلع هذا العام، عاد ليتناول عبر مدونته الشخصية التي تحمل اسمه، التأثير غير العادي الذي يتمتع به الاحتياطي الفيدرالي على الاقتصاد الأمريكي، مستشهداً بمثال حي من تاريخ الولايات المتحدة.

وقال كروغمان في هذا السياق:
«فكروا بما حدث بين عامي 1982 و1984»، موضحاً ذلك بالتفصيل:

خلال معظم فترات عام 1982، كان الاقتصاد الأمريكي يمر بمرحلة صعبة للغاية، حيث تراجعت معدلات التوظيف، خاصة في قطاع التصنيع، وبلغت نسبة البطالة في ديسمبر من نفس العام 10.8%، في حين أنها كانت الشهر الماضي عند مستوى 4.2%. وقد ساهمت هذه المعاناة الاقتصادية في تحقيق الحزب الديمقراطي مكاسب كبيرة خلال انتخابات التجديد النصفي لعام 1982.
ثم يوضح كروغمان الدور الحاسم الذي لعبه الاحتياطي الفيدرالي قائلاً:

“كل شيء كان على وشك أن يتغير بفضل قرارات الاحتياطي الفيدرالي. ففي صيف عام 1982، قرر الفيدرالي تخفيف سياسته النقدية، مما أدى إلى خفض أسعار الفائدة، وبدأ الاقتصاد الأمريكي بعدها، وخلال فترة زمنية قصيرة، وتحديداً في عام 1983، بالنمو بنسبة 4.6%، ليصل في عام 1984 إلى قفزة أكبر بنسبة 7.2%، في انتعاش اقتصادي لافت.”

السياسة النقدية لا يمكن تركها بيد السياسيين

بحسب كروغمان، فإن هذه الواقعة تؤكد حجم النفوذ الذي يتمتع به الاحتياطي الفيدرالي، وهو نفوذ لا يجب أن يقع ضحية استغلال السياسيين، خاصة أولئك الذين يشبهون دونالد ترامب.

الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل أوضح أن السبب الرئيسي وراء رفض تسليم السيطرة المباشرة على السياسة النقدية للسياسيين هو أن هذه الأداة «سهلة الاستخدام بشكل مغرٍ للغاية» وقد تؤدي إلى نتائج كارثية إذا أسيء توظيفها.

كما أشار كروغمان في مقاله إلى نظرية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الشهيرة: “الفائدة سبب والتضخم نتيجة”، لافتاً إلى أن تركيا، وخلافاً لمعظم دول العالم التي اتجهت لرفع أسعار الفائدة بعد جائحة كورونا، اختارت خفض الفائدة في محاولة لخفض معدلات التضخم.

وعرض كروغمان نتيجة هذه السياسة من خلال رسم بياني أدرجه في مقاله، ليوضح لمتابعيه التأثيرات الاقتصادية الواضحة التي خلفتها هذه التجربة.

وفي سياق حديثه عن الحلول، استشهد كروغمان بالسياسات التي اتبعتها العديد من الدول في مواجهة الركود التضخمي خلال سبعينيات القرن الماضي، موضحاً:

“لقد اختارت العديد من الدول آنذاك إسناد مهمة إدارة السياسة النقدية إلى التكنوقراط داخل البنوك المركزية المستقلة. وبالطبع، يمكن للتكنوقراط أن يرتكبوا الأخطاء — وهم بالفعل يفعلون ذلك كثيراً.”
وأضاف كروغمان:

“لكن على الرغم من ذلك، فإن احتمالية وقوع هؤلاء التكنوقراط في سوء الظن أو اتخاذ قرارات مدفوعة بدوافع شخصية أو سياسية، تبقى أقل بكثير مقارنة بالسياسيين التقليديين، ناهيك عن السياسيين من طراز دونالد ترامب.”

الاحتياطي الفيدرالي سيضطر لإزالة أنقاض سياسات ترامب

بحسب كروغمان، فإن ما يجعل محاولات ترامب لممارسة البلطجة على الاحتياطي الفيدرالي مثيرة للقلق بشكل خاص، هو السيناريو الاقتصادي الذي يتوقع أن يتركه ترامب خلفه، حيث أوضح قائلاً:

“الاحتياطي الفيدرالي سيجد نفسه قريباً مضطراً للتعامل مع أزمة ركود تضخمي خلّفها ترامب. فالزيادات الهائلة التي فرضها ترامب على الرسوم الجمركية ستتسبب في صدمة تضخمية كبيرة.”
وأضاف كروغمان:

“علاوة على ذلك، فإن ترامب، عبر تغيير سياساته بشكل جذري كل عدة أيام، خلق مناخاً من الغموض وعدم اليقين، وهو ما سيؤدي بدوره إلى تراجع الإنفاق ومن ثم الدخول في حالة ركود اقتصادي.”
وتابع الاقتصادي الحائز على نوبل تحذيراته قائلاً:

“نتيجة لسياسة الرسوم الجمركية التدميرية التي انتهجها ترامب، سيواجه الاحتياطي الفيدرالي معضلة حقيقية؛ هل يجب عليه رفع أسعار الفائدة لمحاربة التضخم، أم خفضها لمواجهة الركود؟”
وختم كروغمان تحليله قائلاً:

“هذا القرار سيكون في غاية الصعوبة، ومن الوارد جداً أن يتخذ رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، قراراً خاطئاً. ومما يزيد الموقف تعقيداً هو أن ضغوط ترامب المتواصلة تضع باول في زاوية ضيقة، فحتى لو خفض الفائدة، سيُنظر إلى ذلك على نطاق واسع باعتباره استسلاماً لضغوط ترامب، وخضوعاً لتجنب الإقالة.”

شاركها
غردها
أرسلها
أنشرها

قد يعجبك هذا

مختــــــــــــــارات