شهدت أرباح الشركات الألمانية الكبرى في صناعة السيارات، مرسيدس-بنز، بي إم دبليو، وفولكس فاجن، تراجعًا ملحوظًا في الربع الأول من عام 2024، حيث انخفضت بنسبة تتجاوز 40%. وجاء هذا الانخفاض بسبب ضغوط متزايدة على قطاع السيارات الألماني، الناجمة عن تراجع الطلب في الصين، فرض الرسوم الجمركية الأمريكية، وارتفاع تكاليف الإنتاج.
ويواجه قطاع السيارات الألماني، الذي كان يشكل في وقت مضى ركيزة أساسية للاقتصاد الألماني ورمزًا للابتكار التكنولوجي، تحديات هيكلية وتكنولوجية وجيوسياسية، حيث لا يزال يعاني من تداعيات انخفاض المبيعات في السوق الصيني، الذي يعد من أكبر أسواق السيارات في العالم. في الوقت نفسه، يواصل فرض الولايات المتحدة لرسوم جمركية إضافية على السيارات الأوروبية التأثير سلبًا على أرباح الشركات الألمانية.
تراجع ملحوظ في الأرباح والمبيعات في السوق الصيني
تواجه الشركات الألمانية تحديات متزايدة في السوق الصيني، الذي كان في السابق أحد أكبر مصادر الأرباح. حيث سجلت مرسيدس-بنز انخفاضًا بنسبة 10% في تسليمات السيارات في الصين، لتصل إلى 152,800 سيارة في الفترة من يناير إلى مارس. كما تراجعت تسليمات بي إم دبليو (بما في ذلك ميني) بنسبة 17.2% لتصل إلى 155,195 سيارة، في حين شهدت فولكس فاجن انخفاضًا بنسبة 7.1% في تسليماتها، لتسجل 644,100 سيارة.
وكانت شركات السيارات الألمانية، في الماضي، تعتمد بشكل كبير على السوق الصيني، حيث كانت تحصل على نصف هوامش أرباحها من العملاء الصينيين. لكن هذه الفترة يبدو أنها قد انتهت، مما يضع هذه الشركات أمام تحديات كبيرة في استعادة حصتها في السوق.
مستقبل القطاع: التفاؤل بالتقنيات الجديدة في 2026
رغم الصعوبات الحالية، يرى الخبراء أن قطاع السيارات الألماني قد يشهد انتعاشًا بحلول عام 2026 بفضل التقنيات الجديدة. ويرجحون أن هذه التقنيات قد تمثل نقطة التحول التي ستعيد القطاع إلى مساره الصحيح، حيث يُتوقع أن تساعد في تقليل تكاليف الإنتاج وتحقيق نتائج مالية أفضل.
ومع التوجه المتزايد نحو السيارات الكهربائية وتطور التكنولوجيا، تتطلع شركات السيارات الألمانية إلى استعادة قوتها في السوق العالمي من خلال تطوير وتطبيق تقنيات متقدمة تستجيب لمتطلبات السوق المتغيرة.
قال خبير السيارات الألماني الشهير، البروفيسور الدكتور فيرديناند دودنهوفر، إنه على الرغم من الانخفاض الكبير في أرباح شركات السيارات الألمانية مثل مرسيدس وبي إم دبليو وفولكس فاجن، فإن هناك فرصة لعودة هذه الشركات إلى النمو بفضل التقنيات الجديدة في المستقبل.
وأشار دودنهوفر إلى أن انخفاض الأرباح في شركات السيارات الألمانية يرجع أساسًا إلى السوق الصيني، لكنه أضاف أن هذه الشركات تتمتع بفرصة جيدة لقلب هذا الاتجاه باستخدام التقنيات الجديدة. وقال: “قبل عدة أيام، كان هناك مؤتمر في شنغهاي حيث عرضت شركات السيارات ابتكاراتها. كانت مرسيدس وبي إم دبليو وفولكس فاجن حاضرة أيضًا. وأظهرت الشركات الألمانية كيف يمكن التعاون مع شركات التكنولوجيا الصينية التي تمكن السيارات من استخدام تقنيات أعلى.”
وتوقع دودنهوفر أن تستمر أرباح شركات السيارات الألمانية في الانخفاض في الصين خلال الثلاثة أو الأربعة أرباع القادمة بسبب تراجع حصتها في السوق والمنافسة القوية، لكنه أشار إلى أن هذه الشركات قد تتمكن من عكس هذا الاتجاه في عام 2026 بفضل التقنيات الجديدة الموجودة في سياراتها، وأضاف: “نحن متفائلون بشأن هذا.”
وفيما يتعلق بالمنافسة مع الصين، قال دودنهوفر: “لن تبيع شركات السيارات الألمانية سيارات رخيصة. هم يركزون على الابتكار ويميلون إلى العلامات التجارية الفاخرة، ولديهم سيارات أكثر فخامة.”
أشار البروفيسور فيرديناند دودنهوفر إلى أن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية إضافية على السيارات الأوروبية قد خلق الكثير من “الشكوك”، وقال:
“هناك الكثير من الشكوك بالنسبة للمستثمرين في الولايات المتحدة. لأنه إذا كنت لا تعرف ماذا ستطلب بعد ساعة، فلا يمكنك الوثوق بذلك. لا يمكنك الاستثمار بناءً على ذلك.، نعتقد أن السوق الكبير سيكون في آسيا والصين. أعتقد أن الخاسر سيكون الولايات المتحدة.”
كما أضاف دودنهوفر أن الولايات المتحدة لا تهتم بتأثير قطاع السيارات على تغير المناخ، وقال: “دونالد ترامب لا يهتم بأي شيء. هو يدمر مناخنا. أعتقد أن الصين وأوروبا سيتنافسان في سباق تغير المناخ.”
تم الإشارة إلى أن انخفاض المبيعات والاستثمارات الكبيرة في التنقل الكهربائي التي لم تحقق العوائد المتوقعة حتى الآن، بالإضافة إلى مشاكل البرمجيات المكلفة، وتكاليف إعادة الهيكلة، وسحب السيارات، كلها عوامل أثرت على أرباح شركات السيارات الألمانية.
كما يشكل فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرًا رسومًا جمركية بنسبة 25% على جميع واردات السيارات تهديدًا كبيرًا للمصنعين الألمان الذين يعتمدون بشكل كبير على السوق الأمريكية كأكبر نقطة تصدير.
بينما أعلنت شركات تصنيع السيارات والموردين الألمان عن تدابير لتقليص التكاليف، بما في ذلك تسريح العمال، من المتوقع أن يظل الضغط على المصنعين الألمان بسبب الركود الاقتصادي في أوروبا، وتأثير الرسوم الجمركية الجديدة في الولايات المتحدة، والمنافسة السعرية الشديدة في الصين.
وتواجه شركات السيارات الألمانية ضغطًا كبيرًا لتخفيض التكاليف والحفاظ على قدرتها التنافسية في ظل ارتفاع تكاليف الانتقال إلى السيارات الكهربائية، وتراجع الطلب من الصين وأوروبا.
وتصل تكلفة العمالة في مصانع السيارات الصينية إلى حوالي 600 دولار لكل سيارة، بينما في المصانع الألمانية تصل إلى 3,300 دولار. وبسبب الرسوم الجمركية المرتفعة بنسبة 25%، أصبح السوق الأمريكي غير قادر على تعويض الطلب على السيارات الفاخرة الألمانية.
وفي الصحافة الألمانية، يتم التحذير من أن استمرار هذه الأوضاع يعني أن الشركات المنتجة لن تفقد فقط السيطرة على أعمالها، بل أن “ألمانيا، كدولة صناعية رائدة في قطاع السيارات، قد تفقد تأمين حياتها الحالي”.
تُعتبر الأزمة في صناعة السيارات الألمانية نتاج تداخل معقد للاتجاهات غير الملحوظة، والمشكلات الهيكلية، والمخاطر الجيوسياسية، بينما كانت صناعة السيارات في السابق هي العمود الفقري للاقتصاد الألماني.
أهمية قطاع السيارات في الاقتصاد الألماني
يعتبر قطاع السيارات في ألمانيا من أهم القطاعات الاقتصادية، حيث يشكل ما نسبته 5% من إجمالي القيمة المضافة في البلاد ويوفر 3% من إجمالي فرص العمل. من حيث الإيرادات، يعد القطاع الصناعي الأكبر في ألمانيا.
في العام الماضي، حققت الشركات الألمانية المصنعة للسيارات (بما في ذلك وسائل النقل الأخرى مثل القطارات وقطع الغيار) صادرات بقيمة 290 مليار يورو، ما يمثل 17% من إجمالي الصادرات.
اعتبارًا من يونيو 2024، تم تسجيل حوالي 773 ألف شخص يعملون في قطاع السيارات الألماني، باستثناء الموردين.
يشكل العاملون في صناعة السيارات حوالي 14% من إجمالي العاملين في الصناعات. وبهذا الشكل، يصبح قطاع السيارات ثاني أكبر قطاع صناعي من حيث عدد العاملين بعد قطاع الهندسة الميكانيكية الذي يعمل فيه 952 ألف شخص.
اعتماد ألمانيا على السوق الصيني
تُظهر الأرقام أن ألمانيا أكثر اعتمادًا على الصين مقارنة ببقية اقتصادات أوروبا الكبرى، حيث يؤدي زيادة الإنتاج المحلي للسيارات في الصين إلى صعوبة في نمو الاقتصاد الألماني.
تعتبر الصين، التي تعد سوقًا رئيسيًا لشركات السيارات الألمانية، مثل فولكس فاجن، دايملر، وبي إم دبليو، ذات أهمية كبيرة من حيث المبيعات والنمو. تقوم الشركات الألمانية بتطوير واختبار أحدث التقنيات في الصين للأسواق العالمية. كما أن معظم المنتجات الوسيطة المستخدمة في الصناعة الألمانية تأتي من الصين.
تحظى السيارات الألمانية بشعبية كبيرة في الصين، حيث تساهم الصين بأكثر من 30% من إيرادات الشركات الألمانية مثل فولكس فاجن، دايملر وبي إم دبليو.
لطالما كانت الصين سوقًا رئيسيًا لنمو الشركات الألمانية، حيث تحظى علامات مثل مرسيدس، أودي وبي إم دبليو بشعبية كبيرة بين الطبقة المتوسطة المتزايدة في الصين. لكن مؤخرًا، تمكنت الشركات الصينية مثل BYD وNio وGeely من تقليص الفجوة بشكل كبير، وأصبح لديها الآن حصة أكبر في السوق الصيني، مما أدى إلى انخفاض حصة الشركات الألمانية في السوق الصيني.
وفي السنوات الأخيرة، ارتفعت حصة الشركات الصينية في سوق السيارات الكهربائية في أوروبا بشكل سريع، حيث تتفوق السيارات الكهربائية الصينية ذات الأسعار المنخفضة والمدعومة بالأسعار على منافسيها.