الكاتب التركي: ناكي بكير – ترجمة موقع تركيا الان – بينما بدأت موجة شراء الأجانب للعقارات في تركيا بالانحسار، استمرت وتيرة شراء الأتراك للعقارات في الخارج بكامل سرعتها خلال الربع الأول من هذا العام أيضًا. وقد تجاوزت كمية العملات الأجنبية التي أخرجها الأتراك إلى الخارج لشراء العقارات تلك التي جلبها الأجانب إلى تركيا لنفس الغرض. ومع تبدل الاهتمام المتبادل في الاستثمارات العقارية، انقلب التوازن بشكل كامل.
وكان تدفق الأجانب إلى شراء العقارات في تركيا – لا سيما الروس والأوروبيين المهتمين منذ فترة طويلة بالمدن الساحلية، إلى جانب مواطني دول الشرق الأوسط الذين جذبتهم ميزة الحصول على الجنسية التركية – قد أصبح خلال العقد الماضي مصدرًا مهمًا للعملات الأجنبية وساهم بشكل ملحوظ في ميزان الحساب الجاري لتركيا. غير أن هذا التوجه بدأ في التراجع منذ عام 2023، في حين تسارع توجه الأتراك نحو شراء العقارات في الخارج، واستمر هذا الاتجاه بقوة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2024.
انخفاض في شراء الأجانب وارتفاع في شراء الأتراك
أظهرت بيانات ميزان المدفوعات الصادرة عن البنك المركزي أن مشتريات الأتراك للعقارات في الخارج بلغت 144 مليون دولار في يناير، و190 مليون دولار في فبراير، وارتفعت إلى 227 مليون دولار في مارس. في المقابل، بلغ حجم مشتريات الأجانب للعقارات في تركيا 132 مليون دولار في يناير، و134 مليون دولار في فبراير، و149 مليون دولار في مارس، وهو ما يقل عن حجم العملات الأجنبية التي أخرجها الأتراك إلى الخارج لنفس الغرض. وتؤكد هذه الأرقام أن اهتمام الأتراك بشراء العقارات خارج البلاد يزداد قوة، في حين يتراجع اهتمام الأجانب بتركيا.
وفي الفترة ما بين يناير ومارس، انخفضت استثمارات الأجانب في العقارات التركية بنسبة 47.9% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، لتصل إلى 415 مليون دولار، بينما ارتفعت مشتريات الأتراك في الخارج بنسبة 17.1% لتسجل 561 مليون دولار، متجاوزة بذلك استثمارات الأجانب في تركيا. ووفقًا لسعر صرف الدولار الرسمي لدى البنك المركزي، فإن قيمة الأموال التي أخرجها الأتراك لشراء عقارات في الخارج بلغت نحو 20.3 مليار ليرة تركية.
يُذكر أنه خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الماضي، اشترى الأجانب عقارات في تركيا بقيمة 796 مليون دولار، بينما بلغت مشتريات الأتراك في الخارج 479 مليون دولار، ما أدى إلى تحقيق صافي دخول للعملات الأجنبية بقيمة 317 مليون دولار. أما خلال الفترة نفسها من هذا العام، فقد حدث العكس، حيث سجل الميزان العقاري بين الجانبين صافي خروج للعملات الأجنبية بقيمة 146 مليون دولار.
عام 2023 شكّل نقطة تحوّل
شهدت الاستثمارات العقارية المتبادلة بين الأتراك والأجانب تحولًا جذريًا في التوازن، خاصة اعتبارًا من عام 2023، حيث بدأت المؤشرات في الاتجاه المعاكس. ووفقًا لبيانات البنك المركزي التركي، فقد كانت استثمارات الأجانب في العقارات التركية تتراوح بين 2 و3 مليارات دولار سنويًا خلال الفترة من 2006 إلى 2012، ثم تجاوزت حاجز 3 مليارات دولار لأول مرة في عام 2013، و4 مليارات في 2014، ثم 5 مليارات في 2018، وبلغت ذروتها التاريخية في عام 2022 عند 6.3 مليار دولار.
لكن هذا الارتفاع لم يستمر، حيث انخفضت استثمارات الأجانب بشكل حاد اعتبارًا من عام 2023، لتتراجع إلى 3.6 مليار دولار، أي ما يقارب النصف مقارنة بالعام السابق، واستمر التراجع في 2024 ليصل إلى 2.8 مليار دولار فقط.
في المقابل، كانت مشتريات الأتراك للعقارات في الخارج تتراوح ما بين 213 و371 مليون دولار سنويًا حتى عام 2022، لكنها قفزت إلى 628 مليون دولار في ذلك العام، ثم تضاعفت إلى 1.8 مليار دولار في 2023، ووصلت إلى 2.2 مليار دولار في 2024، ما يشير إلى نمو مطرد.
ويتوقع أنه في حال استمرار وتيرة التراجع في شراء الأجانب للعقارات خلال الربع الأول من هذا العام، فقد ينخفض إجمالي مشترياتهم إلى ما دون 1.5 مليار دولار بنهاية 2024. في المقابل، إذا استمرت وتيرة النمو الحالية في مشتريات الأتراك، فمن المرجح أن تتجاوز 2.5 مليار دولار خلال نفس العام، متفوقة بذلك بفارق كبير على استثمارات الأجانب في تركيا.
حصة الأجانب في المبيعات العقارية تراجعت إلى 1.4%
أظهرت إحصاءات مبيعات العقارات حتى نهاية مارس، الصادرة عن معهد الإحصاء التركي (TÜİK)، أن حصة الأجانب في مبيعات العقارات في تركيا تراجعت مجددًا إلى مستويات 1%، بعد سنوات من الارتفاع. فقد ارتفع عدد العقارات المباعة في عموم تركيا خلال شهر مارس بنسبة 5.1% مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، ليصل إلى 110,795 وحدة، في حين انخفض عدد العقارات المباعة للأجانب بنسبة 11.5% ليبلغ 1,574 وحدة فقط.
وفي الفترة ما بين يناير ومارس، بلغ إجمالي مبيعات العقارات 335,784 وحدة، اشترى الأجانب منها 4,578 وحدة فقط. وبينما ارتفع إجمالي المبيعات بنسبة 20.1% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، تراجعت مبيعات العقارات للأجانب بنسبة 19.5%.
وكانت حصة الأجانب من مبيعات العقارات في تركيا قد وصلت إلى 4.5% في عام 2022، ثم انخفضت إلى 2.9% في عام 2023، وتراجعت إلى 1.6% في عام 2024، قبل أن تسجل انخفاضًا إضافيًا إلى 1.4% فقط خلال الربع الأول من هذا العام.
152 مليار ليرة خلال ثماني سنوات
تُظهر السجلات الإحصائية المتعلقة باستثمارات الأتراك العقارية في الخارج البيانات منذ بداية عام 2017. ووفقًا لهذه المعطيات، اشترى الأتراك عقارات بقيمة إجمالية بلغت 6 مليارات و577 مليون دولار في دول مختلفة خلال الفترة الممتدة من يناير 2017 وحتى مارس 2025، أي خلال 8 سنوات و3 أشهر.
وعند تحويل هذا المبلغ إلى الليرة التركية وفق متوسط سعر صرف الدولار المعتمد من البنك المركزي خلال هذه الفترة، فإن القيمة الإجمالية التي دفعها الأتراك لشراء عقارات خارج البلاد تصل إلى نحو 152.3 مليار ليرة تركية.
وعند النظر إلى التطورات السنوية:
بلغت قيمة المشتريات في عام 2017 نحو 1.2 مليار ليرة،
وفي عام 2021 تجاوزت 3 مليارات ليرة،
ثم ارتفعت إلى 10.4 مليار ليرة في 2022،
وفي عام 2023، وعلى الرغم من انخفاض المشتريات من حيث الدولار، إلا أن ارتفاع سعر الصرف رفع القيمة بالليرة إلى 42.3 مليار ليرة،
وفي عام 2024 وصلت إلى 70.6 مليار ليرة،
بينما بلغت خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2025 نحو 20.3 مليار ليرة تركية.
لماذا ارتفعت مشتريات الأجانب سابقًا؟ ولماذا بدأت بالتراجع؟
شهدت مشتريات الأجانب للعقارات في تركيا ارتفاعًا حادًا في السنوات الماضية، ثم بدأت بالتراجع لعدة أسباب متداخلة تتعلق بالتشريعات والسياسات الداخلية والإقليمية. وفيما يلي أبرز الأسباب وراء هذا التحوّل:
أسباب الارتفاع في السابق:
تسهيلات الحصول على الجنسية التركية:
شهد عامي 2016 و2017 تعديلات قانونية سمحت للأجانب بالحصول على الجنسية التركية مقابل شراء عقار، وهو ما جذب اهتمامًا كبيرًا.
تخفيض الحد الأدنى للاستثمار:
في عام 2017، كان يشترط على الأجانب شراء عقارات بقيمة لا تقل عن مليون دولار للحصول على الجنسية، لكن تم تخفيض هذا المبلغ إلى 250 ألف دولار في عام 2018، ما أدى إلى زيادة الإقبال بشكل كبير.
الاهتمام المسبق بتركيا من قبل الروس والأوروبيين:
بالإضافة إلى ذلك، كانت المدن الساحلية في تركيا تحظى باهتمام تقليدي من الروس والأوروبيين، ومع التسهيلات القانونية، ازداد هذا الاهتمام.
هروب من الأزمات الإقليمية:
اندلاع الحروب الأهلية وحالات عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي في العديد من دول الشرق الأوسط شجّعت عددًا كبيرًا من مواطني تلك الدول على شراء عقارات في تركيا بهدف الإقامة أو الهروب من الأزمات.
أسباب التراجع مؤخرًا:
انتهاء شرط الاحتفاظ بالعقار:
الأجانب الذين حصلوا على الجنسية مقابل شراء عقار كانوا ملزمين بعدم بيع العقار لمدة 5 سنوات. ومع حلول عام 2023، انتهت هذه المدة وبدأوا في بيع هذه العقارات، ما أدى إلى انخفاض في الطلب الجديد.
تراجع الحاجة للجوء أو الهجرة:
مع انخفاض وتيرة الحروب والاضطرابات في بعض مناطق الشرق الأوسط، تراجعت أيضًا حركة اللجوء والهجرة، وبالتالي قلّ الإقبال على شراء العقارات في تركيا لهذا الغرض.
رفع الحد الأدنى للحصول على الجنسية:
في خطوة أخرى، تم رفع الحد الأدنى لثمن العقار المؤهل للجنسية إلى 400 ألف دولار، ما جعل الحصول على الجنسية التركية عبر العقار أقل جذبًا للعديد من المستثمرين الأجانب.
كل هذه العوامل مجتمعة تفسر التراجع الواضح في الإقبال الأجنبي على شراء العقارات في تركيا خلال السنوات الأخيرة.
ما الذي يدفع الأتراك لشراء العقارات في الخارج؟
شهد اهتمام الأتراك بشراء العقارات خارج البلاد نموًا متسارعًا في السنوات الأخيرة، ويعود ذلك إلى عدة عوامل اقتصادية واجتماعية واستراتيجية، نُوجزها كما يلي:
1. ظهور فئة جديدة من المستثمرين الأثرياء
مع التغيرات في توزيع الدخل داخل تركيا، نشأت فئة جديدة من الأتراك ذوي الدخل المرتفع، تتجه نسبة كبيرة منهم إلى شراء العقارات في الخارج، إما كاستثمار أو كجزء من خطة طويلة الأجل للاستقرار خارج البلاد من أجل مستقبل أبنائهم التعليمي والمهني.
2. الفرص العقارية نتيجة الأزمات في الغرب
التقلبات الاقتصادية والأزمات التي شهدتها الولايات المتحدة ودول أوروبية أدت إلى انخفاض نسبي في أسعار العقارات هناك، ما جعلها أكثر جاذبية للمستثمرين الأتراك الباحثين عن فرص شراء بأسعار مناسبة.
3. عوائد الإيجار المرتفعة في الخارج
في بعض الدول، عائدات الإيجار العقاري ترتفع بوتيرة أسرع من ارتفاع أسعار البيع، مما يجعل الاستثمار في الخارج أكثر جدوى وربحية مقارنة بالسوق التركية.
4. الاستفادة من الفارق في العملة
الحصول على إيجارات بالدولار أو اليورو، مقابل الإنفاق بالليرة التركية، يمنح المشتري ميزة مالية كبيرة، ما يزيد من جاذبية تملك العقار خارج البلاد.
5. مشكلة التأشيرات والحلول البديلة
مع تزايد صعوبة الحصول على تأشيرات دخول إلى الدول الغربية، أصبح امتلاك عقار في الخارج وسيلة للوصول إلى إقامات دائمة أو جنسية مزدوجة، وهو ما يشجع العديد من الأتراك على الشراء لأغراض غير استثمارية فقط، بل أيضًا للحصول على الاستقرار القانوني والمعيشي في دول أخرى.
باختصار، يجمع هذا التوجه بين الطموحات الاقتصادية والرغبة في الاستقرار خارج البلاد، بدافع البحث عن فرص تعليمية، معيشية، واستثمارية أفضل.
الكاتب التركي: ناكي بكير – ترجمة موقع تركيا الان