الأتراك يهرعون إلى شراء الذهب عبر الإنترنت

أدى الارتفاع القياسي في سعر أونصة الذهب خلال الأسابيع الأخيرة إلى تحفيز الطلب على المعدن النفيس، حيث بدأ المستثمرون الأتراك في شراء الذهب عبر مواقع التجارة الإلكترونية إلى جانب الشراء التقليدي من محلات الصاغة. وعلى الرغم من وجود فرق في السعر لا يقل عن 10% مقارنة بأسعار السوق، إلا أن سهولة الدفع عبر بطاقة الائتمان، وخدمة التوصيل المباشر إلى المنازل، وتوقعات استمرار ارتفاع القيمة دفعت الكثيرين إلى تفضيل شراء الذهب عبر الإنترنت.

ويُعرف الذهب بأنه وسيلة الادخار التقليدية لدى الأتراك، وقد أدى الحديث عن احتمال وصول سعر الأونصة إلى 4 آلاف دولار — بحسب سيناريوهات بنك “غولدمان ساكس” (توقعات نهاية العام عند 3700 دولار ومنتصف 2026 عند 4 آلاف دولار) — إلى زيادة عمليات الشراء بدافع المضاربة.

وكشفت المعلومات أن المستثمرين في الذهب  لم يعودوا يقتصرون على شراء الذهب من محلات الصاغة في الأحياء فقط، بل بدأوا أيضاً في التوجه إلى المتاجر الإلكترونية التابعة للمصافي والمنصات الكبرى للتجارة الإلكترونية.

وفي رده على سؤال حول السبب الذي يدفع بعض المستثمرين إلى تفضيل الشراء عبر الإنترنت رغم وجود فرق سعري لا يقل عن 10% مقارنة بالسوق، أوضح خبير أسواق المال والذهب، وأحد تجار سوق “كابالي تشارشي” الشهير، محمد علي يلدرم تورك، قائلاً:
“الذهب يُنظر إليه اليوم على أنه غالي مقارنة بالأمس، ورخيص مقارنة بالغد. هذه النظرة هي ما تدفع الناس للشراء رغم ارتفاع السعر. كما أن إمكانية الشراء باستخدام بطاقة الائتمان تعتبر عاملاً مهماً يشجع على ذلك.”

من محلات الصاغة إلى المتاجر الإلكترونية: ثقة متزايدة في شراء الذهب عبر الإنترنت

يفضل الصاغة في العادة التعامل نقداً عند بيع الذهب. ومع تجاوز سعر غرام الذهب حاجز 4 آلاف ليرة، باتت عمليات الشراء الكبيرة تتطلب حمل مبالغ نقدية ضخمة، وهو أمر لا يفضله الكثير من المستثمرين الأفراد. بالإضافة إلى ذلك، يرفض بعض أصحاب محلات الصاغة بيع الذهب ببطاقات الائتمان بسبب رسوم العمولة وسياسة الدفع الآجل، مما يدفع شريحة واسعة من المستثمرين، الذين لا يملكون عادة٬ عادة السحب النقدي والتوجه شخصياً لمحلات الصاغة، إلى اللجوء إلى منصات التجارة الإلكترونية لشراء الذهب.

وبالنظر إلى أكبر منصات التجارة الإلكترونية في تركيا، يبدو أن البلاد تعيش نوعاً من “عصر الصائغ الرقمي”. ووفقاً لما أكده مسؤولان رفيعا المستوى في اثنتين من المصافي الكبرى، فإن إقبال المواطنين على شراء الذهب عبر هذه المنصات يشهد ارتفاعاً ملحوظاً، خاصة خلال فترات تقلبات الأسعار، حيث يزداد الطلب بشكل لافت.

وعلى صعيد الشحن والتوصيل، تتحمل شركات التجارة الإلكترونية مسؤولية تأمين عمليات النقل وضمان سلامة الذهب حتى يصل إلى يد المشتري.

بعض المستثمرين يشترون الذهب ويحتفظون به في المحافظ الإلكترونية

وبحسب صحيفة دونيا التركية التي نشرت الخبر وترجمع موقع تركيا الان٬ تواصلنا أيضاً مع مسؤولي بعض منصات التجارة الإلكترونية حول هذا الموضوع، ووفقاً للمعلومات التي حصلنا عليها، فقد كان المواطنون في السابق يستفيدون من خيار شراء الذهب بالتقسيط، لكن هذه الميزة أُلغيت لاحقاً. ورغم ذلك، ما زال الإقبال على شراء الذهب مرتفعاً بفضل اهتمام المستهلكين، إلا أن مسؤولي المنصات أشاروا إلى أن تحديد نسبة نمو دقيقة في المبيعات ليس أمراً ممكناً في الوقت الحالي.

ومن الملاحظ أن بعض العملاء لا يكتفون بشراء الذهب وتسلمه مادياً، بل يختارون حفظه داخل المحافظ الإلكترونية المتوفرة ضمن هذه المنصات. ويمكن لاحقاً استخدام هذا الذهب — بعد تحويل قيمته إلى الليرة التركية حسب السعر اليومي — لإتمام عمليات الشراء عبر الإنترنت.

ورغم أن عدد الوحدات المباعة ليس مرتفعاً بشكل لافت، إلا أن ارتفاع قيمة الذهب يؤدي إلى زيادة ملحوظة في متوسط قيمة سلة المشتريات، سواء كان الذهب عبارة عن غرامات أو منتجات ذهبية أخرى.

وبحسب تقرير “نظرة تركيا على التجارة الإلكترونية 2023” الصادر عن وزارة التجارة، بلغ متوسط قيمة سلة التسوق في تركيا خلال عام 2023 حوالي 400-500 ليرة تركية. ومع احتساب أثر التضخم، تشير تقديرات جمعيات القطاع إلى أن هذا المتوسط ارتفع حالياً إلى ما بين 1000 و1200 ليرة، وقد يصل في المناسبات الخاصة إلى 1500 ليرة.

أما على صعيد الأسعار، فسعر غرام الذهب في السوق يبلغ نحو 4100 ليرة تركية، في حين يُعرض غرام الذهب عيار 24 على منصات التجارة الإلكترونية بأسعار تتراوح بين 4600 و4700 ليرة، بل أن بعض العروض تصل إلى 5300 ليرة للغرام الواحد.

وأشار مسؤولو المنصات أيضاً إلى أن هناك أياماً معينة تشهد ارتفاعاً ملحوظاً في عمليات شراء الذهب، بحيث تصبح الأرقام واضحة بشكل ملفت في بيانات المبيعات.

مدينة “تشوروم” تدخل قائمة المدن الثلاث الأولى في التجارة الإلكترونية بتركيا

بما أن غرام الذهب الواحد يوازي في بعض الأحيان قيمة ثلاث سلات تسوق متوسطة، فقد انعكس هذا الواقع على بعض التقارير المتعلقة بالتجارة الإلكترونية. فعلى سبيل المثال، أظهر تقرير “نظرة تركيا على التجارة الإلكترونية لعام 2023” الصادر عن وزارة التجارة أن مدينة تشوروم احتلت المركز الثالث بين المدن الأعلى من حيث مؤشر التكيف مع التجارة الإلكترونية.

وفي دراسة أجرتها منصة “هيبسي بورادا” حول اتجاهات التسوق في تركيا لعام 2024، جاءت تشوروم إلى جانب بورصا وقيصري ضمن قائمة المدن التي حققت أعلى حجم مبيعات خارج المدن الثلاث الكبرى إسطنبول، أنقرة وإزمير. ويُعتقد أن السبب وراء تقدم تشوروم في هذا التصنيف يعود إلى وجود مصفاة ذهب داخل المدينة.

وفي هذا السياق، أشار نائب رئيس رابطة مصدري المجوهرات، أيهان غونَر، إلى أن إنتاج غرام الذهب يتم فقط عبر المصافي المرخصة، موضحاً أن “المصافي تعمل ليلاً ونهاراً دون توقف”. وأضاف: “هناك محلات صاغة تبيع ما يصل إلى 5 آلاف قطعة غرام ذهب في اليوم. المواطنون باتوا يفضلون غرام الذهب بدلاً من الليرة الذهبية (الربع). وينبغي أيضاً أن تبدأ دار الطباعة الحكومية بإنتاج غرام الذهب.”

وعندما سُئل غونَر عن أسباب تفاوت أسعار غرام الذهب بين الأحياء والمدن، أوضح أن “الأمر يعتمد على طبيعة السوق؛ إذا كان في حيّ تتواجد فيه محلات صاغة كثيرة وتنافس قوي، فلن يستطيع الصائغ بيع الغرام بأكثر من 4200 ليرة، أما في مناطق مثل بَايوغلو حيث عدد محلات الصاغة قليل وتكاليف الإيجار مرتفعة، فإن السعر يختلف. كذلك الحال بالنسبة لمحلات الذهب داخل مراكز التسوق، حيث يتم البيع بأسعار مختلفة تماماً.”

انخفاض بنسبة 60% في إنتاج دار السك لعملات الربع الذهبية

وفقاً لبيانات دار السك التركية، تم طرح مليون و125 ألف و730 قطعة من الربع الذهبي للزينة، و29 ألف و155 قطعة من الربع الذهبي النقدي في السوق خلال شهر يناير. وفي شهر فبراير، تراجعت هذه الأعداد إلى 736 ألف و270 قطعة من الربع الذهبي للزينة، و26 ألف و775 قطعة من الربع الذهبي النقدي. أما في شهر مارس، فقد سجلت الأرقام 719 ألف و190 قطعة من الربع الذهبي للزينة، و27 ألف و965 قطعة من الربع الذهبي النقدي.

وبالمقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي، يظهر تراجع لافت؛ ففي يناير من العام الماضي، تم طرح مليون و826 ألف و950 قطعة من الربع الذهبي للزينة، و35 ألف و105 قطع من الربع الذهبي النقدي. أما في فبراير 2024، فقد بلغت الأعداد 2 مليون و260 ألف و660 قطعة من الربع الذهبي للزينة، و44 ألف و30 قطعة من الربع النقدي، بينما سُجل في مارس 2025 إنتاج 2 مليون و460 ألف و130 قطعة من الربع الذهبي للزينة، و35 ألف و700 قطعة من الربع الذهبي النقدي.

وبمقارنة أعداد الربع الذهبي للزينة خلال الربع الأول من هذا العام مع نفس الفترة من العام الماضي، يتضح انخفاض بنسبة 60%.

من جهة أخرى، أعلنت دار السك أنها قامت خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري بإنتاج أكثر من 4 ملايين و506 آلاف قطعة ذهبية تشمل: الربع، النصف، الليرة، الليرة اثنان ونصف، والخمسة، بالإضافة إلى عملات الذهب “الرشادية” بمختلف فئاتها. وبلغ الوزن الإجمالي لهذه الكميات نحو 14.9 مليون غرام. بينما في نفس الفترة من العام الماضي، كان عدد القطع المنتجة قد بلغ 10 ملايين و108 آلاف قطعة بوزن إجمالي قدره 33.5 مليون غرام.

الذهب يحتفظ بالأولوية الأولى لدى المدخرين

وأظهر تقرير “بحث اتجاهات الادخار” الصادر عن بنك ING للربع الثالث من عام 2024 أن الذهب لا يزال يحتفظ بمكانته كخيار الادخار الأول؛ حيث يفضل 52% من المشاركين الادخار عبر الذهب، الأحجار الكريمة، أو الحسابات المرتبطة بالمعادن الثمينة، بينما اختار 24% حسابات الودائع بالليرة التركية ذات العائد الثابت، و20% فضلوا الاحتفاظ بأموالهم بالنقد الأجنبي أو الليرة التركية في المنزل.

 

شاركها
غردها
أرسلها
أنشرها

قد يعجبك هذا

مختــــــــــــــارات