عاد الخوف ليُخيّم من جديد على الأسواق العالمية، إثر تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول الرسوم الجمركية وانتقاداته الحادة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي). ومع تصاعد حالة عدم اليقين، ارتفع الطلب بشكل كبير على الذهب باعتباره “الملاذ الآمن”، مما دفع أسعاره لمواصلة الارتفاع السريع. وقفز سعر أونصة الذهب متجاوزاً حاجز 3509 دولارات. ومنذ بداية العام فقط، تخطت نسبة الارتفاع في سعر الذهب 31%، إذ كان سعر الأونصة مع بداية العام عند 2674 دولاراً.
اهتزت الأسواق العالمية مجدداً تحت وطأة الحروب التجارية الجديدة. فمن جهة، تصريحات ترامب المتخبطة، ومن جهة أخرى، الردود التي تبادر بها الدول في مواجهة الرسوم الجمركية الإضافية، كل ذلك أدى إلى انفجار الطلب على الذهب كملاذ آمن. وزاد من حالة القلق في الأسواق تهديد ترامب بإقالة رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، معبّراً عن استيائه من معدلات الفائدة، ما دفع سعر أونصة الذهب لتجاوز 3509 دولارات.
وتُظهر مواقف ترامب المتكررة بشأن الفائدة تعارضاً واضحاً مع توجهات الاحتياطي الفيدرالي، ما يساهم في ترسيخ أجواء القلق في الأسواق. هذا المشهد المتوتر دفع بالدولار للتراجع، وسرّع في الوقت ذاته من اندفاع المستثمرين نحو الذهب كخيار آمن. كما لمّح ترامب إلى احتمال تباطؤ الاقتصاد الأمريكي، بينما استمر في انتقاد باول الذي يفضّل عدم تغيير معدلات الفائدة حتى تتضح آثار خطط الرسوم الجمركية على التضخم.
الذهب الذي يُنظر إليه كملاذ آمن أمام الأزمات، كان مع بداية العام عند مستوى 2674 دولاراً للأونصة، لكنه واصل صعوده السريع منذ تولي ترامب مهامه. وفي واحدة من أكثر الفترات اضطراباً، أثبت الذهب مجدداً مكانته كخيار استثماري موثوق، حيث لامس سعر الأونصة 3000 دولار خلال الأسبوع الأول من مارس، وتخطى هذا المستوى في أبريل 2025. ومع بداية أبريل، كان السعر عند 3200 دولار، لكنه قفز في غضون 20 يوماً فقط متجاوزاً 3500 دولار، مسجلاً مستوى تاريخياً جديداً. ومنذ بداية العام، بلغ معدل الارتفاع في سعر الأونصة 31.2%. أما في السوق المحلية، فقد واصل الذهب صعوده؛ حيث تجاوز سعر الغرام 4300 ليرة تركية، وارتفع سعر الربع ليرة ذهب إلى أكثر من 7000 ليرة.
وفي مذكرة صادرة عن بنك الاستثمار الأمريكي “جيفريز غروب” ومقره نيويورك، جاء فيه: “نعتقد أن الذهب أصبح آخر ملاذ آمن حقيقي، وذلك في ظل موجة بيع سندات الخزانة الأمريكية مؤخراً، ونظراً للعلاقة الوثيقة بين هذه السندات وسياسات الرسوم الجمركية، ومع استمرار الحرب التجارية مع الصين والتوتر المالي الداخلي في أمريكا”.
من جهتها، أكدت “هانده شيكيرجي”، كبيرة الاقتصاديين في شركة İş Portföy، أن الذهب عادة ما يتحرك عكسياً مع معدلات الفائدة الحقيقية الأمريكية، فعندما يُتوقع انخفاض الفائدة الحقيقية، يرتفع الذهب والعكس صحيح. لكنها أوضحت أن الذهب قد كسر هذه القاعدة منذ فترة طويلة، وبات يستمد قوته من التوترات السياسية وعدم اليقين، مواصلاً صعوده المستمر رغم المتغيرات.
وأضافت شيكيرجي أن المخاطر الجيوسياسية، وعلى رأسها الحرب الروسية الأوكرانية والتوترات في الشرق الأوسط، تعزز أيضاً من ارتفاع الذهب، معتبرة أن سعي الذهب لزيادة قيمته في ظل هذه الأوضاع أمر متوقع وطبيعي. وأشارت إلى أن استمرار هذه المخاطر قد يدفع بسعر أونصة الذهب نحو مزيد من الارتفاع خلال الفترة القادمة، قائلة: “كلما كوّن الذهب اتجاهاً صاعداً، رفعت المؤسسات توقعاتها تدريجياً، وهو ما يخلق نوعاً من الطلب الذاتي على المعدن النفيس. وإذا نظرنا إلى الصورة العامة، ورغم الحديث عن خفض مرتقب للفائدة من قِبل الاحتياطي الفيدرالي، إلا أن البنك لا يبدو متحمساً جداً لذلك، ومن الواضح أن موجة عدم اليقين هذه قد تستمر في دفع أسعار الذهب نحو الأعلى لفترة قادمة”.